المدينة في أمسيات الصيف الحارة.. الأضواء تتلألأ.. روائح (الشاورما) تنبعث على مفارق الشوارع العريضة.. البعض يمشي بخطوات وئيدة أمام الواجهات الزجاجية.. البعض الآخر مسرع الخطى..
سيارة (اسبور) حمراء ينبعث منها صخب لموسيقى غربية متناغمة مع صوت مايكل جاكسون تأخذ جانباً على الرصيف بجوار محل لبيع الأشرطة الغربية.. نزل منها شاب دون العشرين قد قص شعره على الطريقة الغربية.. يلبس نظارة سوداء.. وأثناء انطلاقه إلى المحل -وهو يدندن مع الأنغام التي تنبعث من سيارته- اصطدم برجل من المارة، كث اللحية، بهي الطلعة..
(هلا مطوع).. قالها بشيء من اللامبالاة، ممزوجة بنبرات من الاستخفاف..!
نظر إليه الشيخ بابتسامة يشوبها شيء من الاستغراب.. لمنظر سيارته.. لقصة شعره.. ثم أشار إلى الصورة التي على صدره متسائلا: ما هذا يا بني؟!
-هذا مايكل... ألا تعرف جاكسون..؟!!
-لم يحصل لي الشرف من قبل. (قال الشيخ ذلك تنـزلاً، وإلا فأي شرف يناله المرء في معرفة أمثال هؤلاء؟؟؟!).
قال الشاب مفتخراً: هذا الذي يغني في السيارة.. رد الشيخ: ربما قد سمعت به، ولكنه لا يعنيني. ثم استطرد الشيخ قائلا: هل تعرف ماذا يقول؟!
أجاب الشاب: صراحة؛ لا أعرف..فردّ عليه الشيخ بشيء من الجدية: تعال معي لأعرّفك ماذا يقول...
ومضى معه الشيخ بخطوات متزنة إلى سيارته الحمراء.. وجلس إلى جواره في المعقد الأمامي، وأخذ يترجم له كلمات الأغنية.. مقطعاً... حتى الكورس.
هنا أحس هذا الشاب بالانهزامية أمام لغة الشيخ الوقور.. وهو الذي انطبع في ذهنه غير ذلك.. أحس بأن شخصيته ذات الرتوش الغربية أشبه بسيارته الحمراء.. المرقعة بالملصقات الإفرنجية..
وبينما هو غارق في تفكيره، إذ سمع صوت الشيخ يقول: إن الشخصية الإسلامية هي الشخصية السوية، وإن المسلم الحق هو الذي يعتز بشخصيته، ولا يرضى أن يكون تابعاً مقلداً لغيره، بل متبوعاً شامخ الرأس مرفوع الجبين.
تمتم الشاب بصوت خافت وهو مطرق الرأس: نعم.
سأله الشيخ: هل تقرأ القرآن؟
قال: نعم، قرأته في رمضان الماضي.
فأخرج الشيخ من جيبه مصحفاً، وقال: خذ هذا يا بني.. إنما تحيا الأمة بعقيدتها..
عاد الشاب إلى البيت.. دخل غرفته.. استرجع اهتماماته التي كانت تدور في فلك الجديد من العطورات.. الجديد من الموديلات.. الجديد من أشرطة مايكل جاكسون وديمس روسس و....غيرهم كثير.. أحس أن هذا العالم ليس عالمه... وأنه لم يخلق لهذا...
أحضر كرتونة كبيرة... جمع فيها هذه الأشياء وكأنه يكفن ماضيه إلى الأبد.. ليبدأ صفحة جديدة.. ثم نادى خادمه وقال في لهجة حازمة: ارمِ بهذا كله في صندوق القمامة..
نظر إليه الخادم مندهشاً... أين؟؟!
قال: في القمامة..
- متأكد؟؟!!
- نعم